مجموعة جدارية حزن



جـــدارية حــــــــزن
قصص قصيرة،
ق ق جداً
        
هناء جودة









الإهداء

إليها
إلى طفولتى
         التى لم أعِشها
                        و التى أحتمى بها
                                                      من
                                                                كمائن الحزن                  
                                                                                        هناء جودة











  

الربط بين الطبيعة الحسية والجمال الخيالي
في لغة القص لدى هناء جودة

رؤية نقدية
للدكتور/ ثروت عكاشة السنوسي
عضو اتحاد كتاب مصر ورئيس نادي القصة بأسيوط
ومدير المركز العربي للدراسات والبحوث الأدبية والفنية بالقاهرة




تعد كاتبتنا الكبيرة هناء جودة من الكاتبات المصريات اللاتي ظهرن على الساحة الأدبية بكثافة  في السنوات الأخيرة، 
حيث ظهرت من خلالها موهبتها الفنية واللغوية على حدٍ سواء، وطبيعتها الراقية وحسها المرهف ونقاء سريرتها؛ كلها صفات تميزت بها بين أقرانها، مما أتاح لها الارتباط بمختلف مكونات الطبيعة مثل: (الماء- السماء- الهواء- القمر- الشمس- النجوم – الأرض، ... ألخ) وحسب تنوعها بين الريف والحضر، فاستفادت وأفادت كثيرا في توظيفها داخل نصوصها القصصية القصيرة أو القصيرة جدا.
كما أنها هنا في مجموعتها(جدارية حزن) نجد مجموعة من القصص وأخرى من الأقاصيص وثالثة من الومضات، تجدها كلها متنوعة بين الأسلوب القصصي المتزن الذي يدل على امتلاكها لأدوات القص، والأسلوب الشعري الذي يدل على امتلاكها بحرا هادرا من الأحاسيس والمشاعر التي تتعلق بالطبيعة الأنثوية الرقيقة، و تعد من أجمل كتاباتها فنياً ولغوياً.
فالكاتبة هنا تقدم للقراء المعرفة المتعلقة بالمشاعر الحزينة، وهي الأصدق والأدق والتي تعبر عن حجم الصراعات الداخلية في الروح والعقل معا، بالاضافة لتطويع الأحداث الاجتماعية وأبعادها وتشكلاتها خلال موضوعات القص، الأمر الذي يمكن المتلقي من إعمال قدراته الإدراكية والتخييلية لاستشراف المستقبل أو الإيحاء بكل ما قد يحدث من أحداث يتمناها المرء، نتيجة حركة الانتقال العاصف بذهن  المتلقي من عصر إلى عصر من خلال عدة أحداث قد تكون حزينة أو أشد حزناً، لكنها لا تتيح مساحة للفرح والسعادة الأقل وجودا في حياتنا.
فكانت البداية مع زهرة الصبر(الصبار)؛ في أقصوصتها "عطر بريّ"حيث تتعطش صحراء العمر الممتد لقطرات من الندى ترطب الأحزان التي مزقت النفس، وتخترق وحدة الروح، ووحشة القمر الذي يحاول الانزواء خلف كومة من السحب، لتجد لغة نادرة ترسم الحرف بشعرية وتأخذكـ مع رقة انسياب النسيم، وترسم لك صورة حسيةترتبط بمفاهيم الوعي القصصي لدى الكاتبة، وفي نفس الوقت تستطيع جذب المتلقي، وتعطي دلالات معنوية، تفهم من خلالها مكنونات النفس البشرية، المرتبطة بمكونات الطبيعة، وخاصة ما تعانية من ألم ومشاعر تتوحد مع الروح في بوتقة من الحزن لانهائية.
هكذا رسمت هناء جودة الحدود الفنية للأقصوصة، لتضفي على كتاباتها نوعا من الشعرية التي تمتلكها وتستخدمها بمهارة في تكنيكات الكتابة القصصية وجمالياتها الجاذبة للقارئ، وامتدت حالتها الشعورية المرتبطة بجماليات الطبيعة المحسوسة، كما في ومضتي(سماوات الدهشة، انكسار) فتلاقى الحس المعنوي مع مكنونات النفس البشرية من حزن وتبرم وفكر وألم لتلتقي كل الأحزان تحمل مواقف انسانية ترتبط بالشعور، فكتبت عدة ومضات وأقاصيص لها تأثيرات متباينة على الروح والفكر معا مثل: ( الموت عشقاً- سريالية- يقين – نكهة الجرح – عطر بري – الحرف الأشهب).
ففي ومضتها " الموت عشقا" استطاعت الكاتبة الربط بفنية عالية بين أدوات الطبيعة (شجرة- مطر- بحيرة البجع ورقصتها الشهيرة) والطائر الرقيق (العصفور) والنفس البشرية بين قشعريرة الجسد، وقشعريرة النشوة، ثم الخاتمة التي تمثلها النهاية ذات البعد النفسي المؤثر وهي حادثة الموت في أبهى صورة، وأكثرها تأثيرا على النفس (الموت على صدر الحبيب)؛ فما أقساها من لحظةٍ وما أروعها من نهايةٍ تتركـ انطباع الحزن والألم داخل القلب الذي شعر بدفء الحبيب من قبل.
وفي أقصوصتها "سريالية" نرى أنها أفرطت كثيرا في دغدغة الحس بروابط طبيعية وأخرى محسوسة؛ فأنت تدركـ مدى تأثرها بالمطر والنهر والشاطئ، والشوارع والموج، كلها مترادفات لمكونات الطبيعة وأدواتها التي نعايشها ونتعايش معها، ومن الممكن أن تؤدي مفردة واحدة أو اثنتين منها فقط للغرض المرجو.
لكن الكاتبة حاولت أن تظهر تعلقها الروحي والمعنوي بكل تلكـ المكونات التي تؤثر فيها وتتأثر بها، فتمزج بين الحس المعقول واللامعقول الشعوري المتمثل في الخيال، فتستخدم مفردات مبهمة التصنيف النوعي مثل: (حلم- سراب- ترانيم سريالية- تحليق- غيبوبة- ضوضاء السكون)، ثم تنطلق في اختيار المرتبط المحسوس بألم الروح والجسد معاً فاختارت (أيادٍ مقطوعة- جثث حية- عش مهجور)؛ وهنا نجحت الكاتبة رغم تعدد المفردات في تصنيفها وتوظيفها بحرفية داخل العمل، لتلعب على وتر يربط الانسانيات بالجماد الكوني الطبيعي، وتضفي عليه كاتبتنا صفة الإنسانية أو تلصق بالانسان صفةً تخص الطير أو احدى أدوات الطبيعة، لما لذلك من تأثير شاعريّ على نفس المتلقي، يتغير بتغير الجو النفسي للقص بين الإيلام والسكون النفسي المهترئ غير السوي".
وفي ومضتها "الحرف الأشهب" استطاعت تصوير الحدث في صورة شاعرية، تعبر عن المعنوي بالحسحركي(يمتطي صهوة الحرف الأشهب)، كما أعطت للحرف صفةً لونية ترتبط بالضوء، وهذه الصورة التي تسحر اللب، أراها صورة شاعرية متكاملة، تثير الوجدان، وتكتمل بما بعدها لتعطي استمرارية لصورة ممتدة، تعبر عنها ملابس الفرسان المميزة، لتمتزج بحفاوة الاستقبال، وتجمل تعبيرا خيالياً، تشبهه بالقصيدة الرائعة التي لا تقارن، وكنت أتمنى أن تتركـ هذا التعبير للقارئ، ولا تصرح هي به، ليكون الحكم من مشاعر المتلقي، وليس مشاعر السارد.   

ثم تمتطي كاتبتنا العلاقة النمطية في الكونيات المحسوسة والمنظورة، وهي تلكـ المتمثلة بين الأنثى بمعطياتها، وقدرتها على ضخ الأحاسيس والمشاعر داخل نفس المتلقي، والرجل الظالم المظلوم، فراحت تقص علينا هناء جودة في تراشق ضمني يربط بين آلام المرأة من ظلم الرجل، وآلام الاثنين من قضاء لا مفر منه، إما بالفرقة أو الحرمان أو الموت؛ فاستطاعت تصوير المشاهد الواقعية الثنائية بين الرجل وأنثاه، وأن تربط بين المسافات المختلفة، وتلكـ المتفق عليها بينهم، فكتبت قصصها (نجاة وطيف وتوبة وخسوف وتمرد وعجز)، ثم راحت تستنشق العلاقات الثنائية في جسد الوطن فكتبت لنا (وصال – السيدة- هاجس- وحش الغربة)..

وسأتناول هنا بعض القصص القصيرة التي لها مردود فني يرتبط بالعلاقات المتباينة ذات الفراغات الحسية، والتي تتعلق بالوجدان والعاطفة سواء من الجانب الاجتماعي أو الوطني.
ففي قصة "طيف" بين دلالات الحزن والانكسار وحلم يعاند تكوينه البيئة المكانية الزمانية، تضع كاتبتنا بصمة الحزن من خلال تعبيرات دلاليةلـ (بطء الخطوات- طعم وملوحة الماء- غزارة الدمع) وربط هذه المدلولات الشعورية الموحية، بأحداث واقعية ملموسة(التخلص من الملابس- إلقاء الجسد ليغتسل في الماء)، وربطهما معا بالصور الخيالية لتدخل منعطف اللامعقولية الحدثية (بحيرات من الدموع- فيضان البحر من الدمع المختلط بالماء) لينصب كل ما سبق في حالة متوحدة للبطلة بالقصة، تبدو في (تحسسها لبطنها، والحلم بالولد أسفل الماء، قبلة الزوج ، مزاحمة علبة الدواء لباقة الزهر)، ليكن التعبير الدلالي في النهاية بالفقد مطروحا على نوعية الحالة بفنية عالية لمشهد الفقد الأخير للزوجة والزوج معاً لطفلٍ منتظر، وضياع الأمل.

لتدخل بعدها الكاتبة لجانب لم تتطرق إليه قبلاً، وهو الجانب المثيولوجي، كما في قصتيها "وداع" في آخر المجموعة ، وقصة "توبة" وهي تعرض في قصة "توبة" من خلال أحداثها قناعات دينية خاصة من خلال حدث قصصي، يمثله الزوج في حالة تعبد تسيطر عليها الذاتية اللوامة على ذنب ارتكبه في حق الزوجة الملقاة على سرير المرض، حالة مفردة تتضح في العموم على المجموع ممثلاً بمن حولهما من الأقرباء،  اللذين يتابعون الموقف بقلق وتوتر، بين الندم والرجاء الذي يعيشه البطل، في حالته المشهدية التي صورتها الكاتبة بإتقان، ونجحت في رسمها بشكل يضع المتلقي في ذات الموقف حساً وتصوراً..

ففي اصطحاب الممرضات للزوجة لإجراء العملية بغرفة العمليات، استطاعت الكاتبة تصوير الحالة للزوج والزوجة ؛ بحيث تشعركـ أنكـ بينهما (يدعو بدمعٍ منهمر- ترقبه لخروجها من غرفة العمليات) وذلكـ الشعور الذي يجيش في خاطره ويعتصر قلبه، فقد اختارت الساردة هنا دور الراوي العليم، واشتركت مع البطل في مشهد مأساوي بالنهاية، وهو فقد الطفلين بالإجهاض، وضياع الأمل المنتظر، ربما كنوع من العقاب للأب، واجترار شفقة القارئ.
ثم تدركـ الوداع الأخير في خاتمة المجموعة عبر قصة "وداع" فتعكس حالة من حالات الروح عند التعبد والبعد عن بهرجة الحياة، وتركـ التقنيات المرتبطة بقناعات شخصية للكاتبة الموهوبة فتجد (الحاسوب – التلفاز- الموسيقى الصاخبة) والاتجاه للخط الروحاني المرتبط بالميثولوجيا الدينية، وهيام الروح والعقل بعيدا عن تراهات الجسد تتمثل في (الفجر، الصلاة، طرد الشيطان بالاستعاذة، تلاشي الأرض، وأخيرا العبرة الحتمية المتمثلة في الموت)، وقد عبرت الكاتبةعن تمحورات مفصلية بعبارات دلالية تتيح لها الفرصة من الهدف الأخير التي تسعى إليه منذ بداية القصة، وهي تلكـ النهاية الموغلة في الصمت الأبديّ، والمنتظرة لكل الأحياء؛ فوضعت جملاً تحمل مفردات ترتبط كلها بالموت مثل:
(أبجدية الصمت- تهيم في الفضاء- الخروج من ضيق الدنيا) وضعتها الكاتبة في تراكيب لغوية ذات دلالات فنية ترتبط بحالة الإيمان بالفقد الأبدي، وربطت كل ذلكـ بحالة روحانية هي الصلاة، وأداة محسوسة وهي السجادة، لتضفي نوعا من المزج غير التقليدي، لكنه أيضاً معتاد للعين، لتشير بفنية ترتبط بالحدث القصصي، وهي مفارقة نمطية بين الروح المرتبطة بالجانب المثيولوجي خلال الحياة البشرية، والواقع الحسي المكاني الزماني"السجادة ووقت الصلاة" المرتبطان بحركة الجسد.
 كما استطاعت أن تبدأ عدة قصص لها بجانب حُكميّ على المحسوس لتثير مشاعر المتلقي، وتشركه في مشاعرها بما يسمى إشراكـ القارئ في الحدثية الفكرية للكاتب عبر نمط قصصي مرتبط بالشعرية الصارخة والشعور أيضاً كما في قصص (الحرف الأشهب- سريالية- زلزال- عودة- وصال- وحش الغربة- انكسار) ففي قصتها "عودة" كمثال لذلكـ كانت الجملة الافتتاحية للقصة حُكميّة، بقولها" ارتضت لنفسها الموت واقعاً حتمياً" وتدل هذه الافتتاحية على تدخل السارد في العمل منذ البداية، وأعلل ذلكـ أنها أرادت ربط المحسوس بالمعنوي (النفس- الموت المحتوم) مقدمة حكماً حتمياً مجانياً.
 كان يمكنها تركه للمتلقي، دون التنويه عنه، لكنها أفسدت ذلكـ بإصرارها على تقديمها لتوضح الحالة الحسية وتلكـ المشاعر المتضاربة (انطلاقة الحياة، وحتمية الفناء)، ثم ثقودنا لعرض رؤيتها الفلسفية من وجهة نظر أخرى، قد نتفق معها أو تلاقي انعكاسا فنيا له مدلولات تناظرية فلسفية داخل العمل، فتتطرق لمنحى آخر يبتعد عن الجزئية الأولى للقصة ذاتها، (ميدان كبير- قنينة عطر- تعويذة سحرية- رائحة مجهولة- طعم أسطوري- موجات عطرية دائرية بالميدان) هذا الزخم منه الواقعي المرتبط بالمكان، ومنه الخيالي المرتبط بالحالة السيكولوجية للبطلة، خاصة وهي تربط كل ذلكـ بالفاترينات للعرض، مع صوتٍ آتٍ من بعيد ينبئها بوقت استرخائها وراحتها التي تتمثل في خلاصها من حالة التعب والشعور بالألم، والتخلص من ثوب الحداد.

تعود بعدها الكاتبة للدراما الخيالية واللعب على حبل المشاعر الانسانية ببراعة كما في (حفل عشاء- كبرياء- صورة كل غلاف- رتابة- وفاء اللحن)، فتتناول رقصة موجعة للبطلة وتربطها بجمهور يصفق، وطبول تدق، وكهنة يستعدون لأداء الطقوس.. أرى ذلكـ مزج بين الواقعي والخيالي، لتصل بالمتلقي إلى حدث مفهوم بدلالات ترسم حدود الواقع المأمول والخيال المشهدي، حيث تطلق العنان لقلمها ليتناول الأحداث بفنية استخدام الوصف الفني مع ذلكـ الوصف اللغوي مستخدمة مفردات تتناسب وجو الحالة الشعورية داخل متن نصوصها السردية وبنجاح تتنقل بين تلكـ المشاهد، لتصنع جمالاً حقيقياً يشد المتلقي، ويفتح له بابا للتأويل الممنطق لتبعات الحدث القصصي، لكنه في اتجاهات متفرقة المعالم رسمتها الكاتبة بنجاح وحرفية داخل المتن الرئيسي لكل عمل.

وفي قصتها (خسوف) التزمت بعنصري المكان والزمان كأساس للسرد، وربطتهما بالحدث في تلقائية الفعل، من خلال استخدامها للتأثيرات النفسية المتصلة على فكر وحس المتلقي، ونجحت في ربط المكونات القصصية كـ (الطفل- الموروث الشعبي عند الخسوف) وأوردت للقارئ رؤيتها الشخصية بحذق ومهارة، خاصة عندما اختارت ضمير المتكلم كلغة للسرد القصصي، جتـى أنها وضعتنا كقراء في خانة الباحثين مع الطفل البطل عن تلكـ الأم التي يبحث عنها بديلة لأمه عبر نهاية ممتدة لخيال فاقد الهوية والحس الشعوري رغم أن أمه هي التي تحاوره.
  فرأينا كيف تمتد المشهدية القصصية، إلى جدارية حزن تالية، تطل بظلالها خارج معناها  المكتوب على الأحداث وفكر المتلقي؛ لتخلق أبعادا وايحاءات تؤدي إلى سبل شتى لدى القارئ، وربما تبتعد شيئاً ما عن مقصدية الكاتبة لجدارية حزن أخرى.
نعود لمفتتح شعري بلغة السرد اختارته الكاتبة؛ لتربط عنصرا مؤثراً بسيكولوجيا التلقي، تثير من خلاله شجن القارئ،(الحزن الساقط فوق الرأس) دلالة على كثرة النوائب وشدة المصائب، وتغلغل الأحزان بالنفس وعمق الجراح المسيطرة على قلبها؛ بل وحياتها كلها..
استطاعت هناء جودة ربط تلكـ الجدارية الحزينة في عدة قصص بالمجموعة منها(عطر بري- الموت عشقا- مؤامرة- محو أحلام – زلزال- ندم) وفي قصتها "زلزال" كمثال: ربطت الفاعلية الحدثية مع الخط الزمني المقصود (الانتظار) وغير المحدد، ليتركـ مفتوحاً بمهارة لخيال القارئ ومرتبطا في ذات الوقت بالولد(الطرح المكرر في أغلب قصصها) والذي تأمل قيادته لها لبر الأمان، وهنا إسقاط تأويلي متعدد المسارات، يمكن رده لعقلية المتلقي لتشاركـ عقلية السارد في تكوين الحدث القصصي، فيؤله (سياسيا أو اجتماعياً) كيف يشاء.
ثم يمتد الحدث ليشمل بؤرة اللامعقول المتمثل في الأشباح، وحرب الآلام ، واستدعاء أرواح الأبناء من خلال الأرض المخضبة بدمائهم، والتي تنبت حدثاً غرائبياً على أرض الواقع، مشتعلاً بخيال خصب داخل العمل (أبناء جدد) في إشارة لتخليص بلدنا من الأسر المشاكلي، لتضحكـ من جديد، وتخلع ثوب الحزن (اللالوني) الدال على التوهان والتخبط، لترتدي ثوبا فضفاضاً متلألئاً زاهي اللون بعد تلاشي تلكـ الأشباح واندثارها في قلب الظلام؛ لتأتي الحافلة، وتنطلق إلى ميدان الحرية في سلام.
وهنا نأتي لنصيها (أمومة- الحكايات الملونة) ففي هذين النصين دلالات اجتماعية تعكس الحدث القصصي بتأثير شعوري على السارد والمتلقي معا، الذين يعانون من التواصل مع العالم الآخر المرتبط بالجن، ففي قصة "أمومة" نظرة مجتمعية تركز على الدجل والوهم، ولا تعتد بعالم الروحانيات الذي يعتبر حمقاً في رأي البعض ومضيعة للوقت ومجرد خرافات؛ فالنص يعكس أيضا الفراغ الوجداني الذي يعانيه الإنسان الجائع إلى لذة لا يجدها في عالم البشر، والفراغ المترتب عن عجز الزوج كان دافعا لها للانقياد لرغبتها الجارفة والوقوع في خطيئة مع الشيطان، مما يجعل صاحبها الجنيّ صاحب الميزة والسبق، والقدرات الخارقة التي تريحها من كبت الغريزة. لتنزوي في حجرة الشيخ "يوسف" وتعانق الرغبة سويعات مسروقة تحت جنح الظلام والوحدة، وتأتي الكاتبة لتظهر حافزا معنوياً للتوبة بأنانية الإنقاذ للنفس، كثمنٍ للتضحية بالمحسوس العاطفي (احدى ابنتيها) حسب طلب الجنيّ،  وهنا نصل إلى زمن الحكي الذي يطول عن متطلبات القص القصير؛ حيث يمتد من الأم إلى الابنة، عبر وحدة الموضوع المطروح وتثبيت البطل ذاته وهو الجني.. 
ودارت معظم الأحداث في واقعية ترتبط بالخيال، حيث واكب هذا الزمن القصصي الحالة النفسية للبطلة بين الرغبة والخوف، والسعي للتخلص من الجنيّ الأقوى، والذي يقدم على عمل غير شرعي في ظلمة للرغبة وخيانة للذات قبل الزوج لدى البطلة، التي تخفي رغباتها المكبوتة والبؤس الحياتي، والضعف الانساني، والضجر من شريكـ الحياة العاجز .
 ونأتي لجزئية أهم وهي تتمثل في عدم الإيثار والتضحية كما في موقف الاختيار الصعب، والتي اظهرت فيه الأم أنانيتها لانقاذ نفسها على أن تسلم ابنتها للجنيّ، رغم كون هذا ضد طبيعة الأمومة(التضحية من أجل الأبناء)، ثم العودة للفرضية الجدلية موت الأم وبقاء الابنة كرمز أساسيّ يفيد الاستمرار في الجدل والتعذيب بين حالات تتعلق بالروح البشرية وضعفها أمام الجن المسيطر  بقوته الوهـمية على روح البشر وضعف إرادتهم.
 وأرى أن التلازم وتبادل الخبرة والتأثير المتبادل بين القاص والحياة والمجتمع، كلها تعد أدوات تكوينية تجعل من الكاتب موثقاً لأحداث عصره وشاهدا عليه، ويبدو ذلكـ جلياً في قصص هناء جودة المرتبطة بمختلف الجوانب الاجتماعية واشتعال بذور الثورة، خاصة وقد شاركت بفاعلية في ثورة يناير وتحملت عناء المبيت في الجو قارس البرودة، كما تأثرت بكل ما دار حولها طيلة أيام التحرير المؤلمة المتعبة الممتعة، شديدة الآلام رائعة النتاج، حتى تحقق حلماً سطرته بحرف من نور في قصصها مثل(نجاة- عودة- زلزال- عذرية لوحة)، كما تمكنت من خلال وعيها القصصي بمتطلبات الفكرة وربطها بالتجسيد الواقعي عبر جمل شعرية خيالية تعجب القارئ وتحوز اعجابه من قدرتها في خلق وعي ابداعيّ جديد، من خلال وعيها وتطور رؤاها الفنية بالعصر الذي تعيش فيه وإلمامها بالأفكار والتيارات والانجازات التي تحققت من أجل أن يكون الإنسان وفياً لمعتقداته وفنه.
فقد يصنع الكاتب الواعي شخصيات أسطورية أو تاريخية، تعبر عن عالم يحسه ويشعر بمتعة الحياة فيه، ويعبر من خلالها عن وجهة نظر العصر الذي يتمناه ويتوق إليه خياله، وهكذا لا يمكن عزل التقنية الفنية للسرد القصصي عن لحظة الكتابة التي تعالج الزمن التاريخي معالجة تبنى على الأنماط والأنساق الموجودة في العصر، أي وفق الزمن الثقافي الذي يعيش فيه الكاتب، وهذا ما تتقنه كاتبتنا وتعيه جيدا، لتكتب الحسي المكاني بالحس الشعوري المرتبط بالشعرية الفنية في شكل نص قصصي ممتع، داعين لها بالتوفيق والسداد وإثراء المكتبة الأدبية العربية بالكثير والكثير من فنها الراقي الرفيع.
***

د/ ثروت عكاشة السنوسي
عضو اتحاد كتاب مصر
رئيس نادي القصة بأسيوط
ومدير المركز العربي للدراسات والبحوث الأدبية والفنية بالقاهرة
Sar oka@facebook.com




عطر برى

فى البدء   
 


 كانت زهرة صبار فى صحراء العمر، 
 تتعطش لقطرات الندى فى ساعات السَحَر الكونى،
 فى البدء كان القمر  يشعر بالوحشة؛ تغازله النجوم؛ يحس بالملل؛ يحاول الإنزواء خلف      السحب التي تستدفئ ببعضها ، تناديه الزهرة البرية، تنثرفى المدى عطراً مثيراً؛ يخرج من عزلته؛ غمرها بالضوء؛ فتزداد تفتحاً و جمالاً..، تناجياً؛ تعانقا  يدركهما الصباح؛ تهاجمها شمس النهار بكل قسوتها و صهدها؛ فتذبل.. تحترق على رمال الصحراء، تحتضر..
لكنها لم تنس أبداً ليلة بكى فيها القمر على صدرها...!

***















نكهة الجرح
ما كان
 



         منها إلا فعل ما تستطيع عمله، البكاء المر فى وحدتها الأزلية،
         تمزقت حين أحست بالسوس المتوحش ينخر فى عمق جذورها                                                                                                                                                                                 المتشبسة  بالأرض، وفروعها الباسقة المتطلعة إلى السماء- بالزهر الأبيض و ثمار الحب- يخنقها دخان الفُرقة؛ يحتبس الصوت، يتحول دمعها إلى شلال هادر، يغرق كل شوارع المدينة، و يزداد نزفها دماءً بطعم العشق، وحنينا بنكهة الجرح ...
فتئن أنيناً مكتوماً؛ فيجف البحر؛ تزحف أسماك القرش إلي الشاطىء تلتهم الحلم.. تمنعها الأنثى الأزلية؛ فتنهش كبرياءها، وتحاول نزع الثوب الأسطوري عنها؛ لتبدو سوأتها؛ فيزداد الوجع؛ تصرخ:
- حى على الحياء، حى على الحياة.

تفتح عينيها فَزِعَة؛ تنتظر البركان الثائر؛ ليمحو أثر الكابوس.
                               
                                           ***















                 






الموت عشقا

تحس
 


بأنها عصفور صغير، تركته أمه بعش على شجرة عالية  تحت المطر .....
 تضمها ذراعاه؛ فيسرى الدفء إلى قلبها العليل؛ فإذا بها تتراقص على أنغام الموسيقى رقصات بحيرة البجع الشهيرة؛ لتسرى بجسدها      قشعريرة النشوة و السعادة.. لم تحسها من قبل، تغمض عينيها مبتسمة، وتفارق الحياة على صدره .
                                   

                                         ***

  
سريالية
كانت حبلى
 


 بالحلم؛ فإذا بالجارية السوداء تعطيها كأس سراب، شربت منه حتى ارتوت؛ فإذا بالمطر يغرق كل شوارعها، ينكمش الشاطىء خوفاً، يختبىء فى طيات العمر، يصرخ النهر الأعظم عطشاً.

تعلو أمواج السحب السوداء، تلقى بالجثث الحية، تتلقفها أيادٍ مقطوعةٍ، تدفنها فى عمق النور، تتلو ترانيم سريالية، يفك شفرتها العصفور القابع فى عش مهجور، يغرد لحناً يملؤه الشجن؛ تهدأ روحها بالتحليق عبر هواجس شتى؛  تغيب كل ضوضاء السكون؛ فتفيق من غيبوبتها العميقة .


***



 يقين


أدرك
 


مؤخراً كم كان مخطئا؛ فاستجمع قواه، وأدار ظهره للبحر،
واتخذ من ساقيه جناحين..
                                  وقف مترددا؛
فتحت أحضانها فى صمت قائلة:  كان قلب أمك دائماً بانتظارك .


***
  
نجاة
يشدني
 


جمال فتاة، صورتها في الجريدة ملونة بابتسامة حزينة،
في أسىً تحكي زميلتي :
- منال جارتي في حارة علي هامش إحدي العشوائيات، تركها والدها عندما وصل قطار العمر عامها الأول في عقدها الثاني..  
فتاة الجريدة مجهولة الهوية، لا يعرف لها عنوان سوى ....
- منال تسكن مع أمها التي تحملت الكثير من المعاناة؛ لتكمل دراستها؛ فهي ذكية مثابرة ..
فتاة الجريدة قذفها الميدان إلي المستشفي منذ أسابيع ...
- منال قذفها حضن أمها التي  تزوجت بائعاً؛ ليعينها علي تربيتها؛ فطالت أنيابه صحتها ودخلها، وتربصت عيناه بجسد الفتاة...
فتاة الميدان تزين صدرها بطلق ناري تربص بالقلب.. 
- منال كانت تهدىء من روع اُمها، و تحاول تثبيتها على الصبر،
إلى أن جاء يوم ذهبت فيه إلى الجامعة، و لم تعد؛ و أُمها تذرف الدمع صباح مساء ... وكل نساء الحارة يبادلنها البكاء..
 - مسكينة أمها لا بد أن قلبها تمزق عليها. رددتها وأنا أرمق فتاة الجريدة في أسى
 - شهور و ما زال لدى أُمها أمل أن تجدها ...
- يا ضنـــــــــــايــــــــــــــــا  
ضربت زميلتي صدرها صارخة؛ عندما وقعت عينها على فتاة الجريدة..
- ماذا أقول لاُمها ولكل أُمهات الحارة الآن...
حاولت تهدئة زميلتى، واتصلت بالمستشفى حيث الشهيدة، واتصلت زميلتى بأَهل الحى؛ اكتظت المستشفى بالمئات، و عشرات السيارات تنتظر أن تشارك في الموكب ...
هالنى ما رأيت فى عيون أمها من الفرح والحزن معا، كفكفت الدمع بكم ثوبها، وتمتمت :
-         الحمد لله على السلامة مبروك نجاتك يا بنيتي ...
ثم رفعت يدها ترسم علامة النصر بعد أن قَبَلت منال و أدارت ظهرها مولية شطر الميدان تبحث عن طوق نجاة.
                                    
***







ق. ق. ج



الحرف الأشهب

يمتطي
 



صهوة حرفه الأشهب،
 ويرتدى ملابس الفرسان الرائعة؛ ليكون فى شرف استقبالها،
وفى الوقت المناسب.. كانت أروع قصيدة.

***


طيف


انطلقت
 



ممشوقة القوام، خطاها بطيئة صوب الشاطىء؛ تخلف أقدامها بحيرات صغيرة، تمتلئ كلها بماء مالح يكوي الجراح ، لاتدري.. أكان من البحر أم الشلال المنهمر من عينيها ؟
تخلص جسدها مما يستره قطعة قطعة؛ تلقى بنفسها فى الماء مستسلمة ...
تختلط الدموع بماء البحر فيفيض على الشاطىء، تتحسس جسدها العارى إلا من غلالة الشفق والماء، تستوقفها بطن بور كم تاقت لنبتها؛ تضغطها؛ وتكف عن التنفس ؛ لتغوص ..
تغمض عينيها يلوّح لها باسما يناغي؛ تمد يدها ..
 تنتفض، تحاول استنشاق الهواء في صعوبة؛ تتلفت فى رعب؛ لتجدها فى الفراش الوثير ، يحاول تهدئتها بقبلة على جبينها المندى بالعرق ؛يسكن ارتعاشها...، وباقة من أجمل الزهور بيده، تزاحمها علب الأدوية المهدئة؛ تنهش عينيها نظرة تساؤل وحيرة، يضع يده على فمها راجياً
 : لا تحاولى مرة أخرى.


***

  

 توبة

فرد  سجادتها
 



بجوار سريرها و شرع فى الصلاة , أحس بحاجته الشديدة لطول السجود، أخذ يدعو الله و يطلب منه العون، بينما دموعه تنهمر على خديه، الجميع خارج الغرفة فى حالة من القلق والتوتر .....

ختم صلاته وجلس إلى جوارها، يمسح بيده جبينها وخديها و الدمعة التى ألهبت قلبه بسياط الذنب، قالت فى صوت خافت
: سأكون بخير.

جاءت الممرضات واصطحبنها إلى غرفة العمليات، تابعها بعينيه فارداً يده إليها ، تبتعد لتغيب داخل الغرفة ....
الكل ينظر إليه حيث وقف، ينتظر خروجها مبتهلا، لايرى أمامه إلا وجهها المضاء بابتسامتها الهادئة دوما .
كم كان قاسياً معها وأنانياً ! لم يعر حبها له أى اهتمام ... كم خانها و جلد مشاعرها بأفعاله و أقواله ! دون أن تشتكى أو تتذمر بل كانت تبذل كل ما تستطيع و ما لا تستطيع لإسعاده . كم كان جاحداً تجاهها كافرا بحبها !

هيهات أن تغسل دموعه ما فعل بها وكم كانت مُحبة طائعة ومضحية لتحقيق حلمه و امنيته، مرت الدقائق و الساعات ثقيلة، دموعه لا تنضب و لسانه لا يكف عن الدعاء حتى فتحت الممرضة الباب وهى تحمل قطعتين من اللحم تبكيان بحرقة، أسلمته إياهما، و نكست رأسها وعادت من حيث أتت..

***




 عــــــــودة
قصة قصيرة



عودة

ارتضت
 



لنفسها الموت واقعاً حتمياً، ولتأكيد ذلك الغياب ارتدت على الأمل فى الحياة ثوب الحداد، وسارت فى دروب الحياة بابتسامةٍ، يحسبها الناظر فَرَحاً لكنهم لا يعلمون.. هناك فى فاترينات العرض تطالع العديد من التشكيلات و النماذج المصغرة للموت :
 فهذا موت سريرى و هذا الموت صمتاً و هذا موت يرقى لدرجة القتل و هذا موت انتحار وهذا ... وهذا .... لم يكن فى نفسها غُصة أو اعتراض على أى منها.

 وقفت أمام المرآة ارتدت ثوب الرضا المطرز بلون الحداد، رسمت ابتسامة على شفتيها جملتها بالذكر، تخفى دموعها، تعلق بميدان الانتظار، لا زاد معها سوى بعض التقوي ودموع خفية، تتعثر في الخوف، وسلة ذكريات مثقلة؛ فتحاول التخلص من بعضها تِبَاعا، تلقَى أشخاصا يصافحونها مهللين وتصافحهم مُوَدِعة ،وآخرين يصافِحونَها بالزيف، فترد بنقاء وشفافية.

 تهبط لميدان كبير، تتوسطه، تخرج من حقيبتها قنينة عطر نادر تفتحها، وتترنم بتعويذة سحرية برائحةٍ مَجهولة و طعم أسطورى؛ فينتشر العطر فى موجات دائرية تسقط كل زجاج الفاترينات، تزحف إليها النماذج المُصغَرة، تغمض عينيها فى سكون لتفتحهما على صوت من بعيد
: آن لكِ الآن أن تستريحى من الألم آن لكِ أن تغمضى الجفون المتعبة وتريحي  الشفاة من تكلف الابتسام ، تخلصى الآن من كل حقائب متاعبك
 ، تخلصى من ثوب الحداد، لترتدى ثوباً لا ينبغي لغيرك ...؛
تترنح فى رقصات موجعة فى بطء، ثم تتسارع ، تشتعل أكف جمهور الميدان بالتصفيق ، تتهاوى..؛ ترتفع دقات الطبول، ويرتدى الكهنة ملابسهم التقليدية ويستعدون لأداء الطقوس .
 تسقط نجمة من السماء، لتستقر فى عمق القلب تنتشرت عبر الأوردة اشعاعاتها فتنبض؛ تخفت أصوات الطبول والتصفيق، ويتسلل النور  إلى عينيها من جديد، فتجد نفسها فى سريرها و حولها كل من تحب والطبيب يقول : الحمد لله مرت مرحلة الخطر على خير .

***







خسوف
قصة قصيرة





خسوف

أجلس
 



على الفراش صامتة متأملة، يدخل  مسرعا تاركا أصدقاءه، يلعبون أمام المنزل لعبته المفضلة، جاءنى صوته متحشرجاً ببكاء مرير، وقد احمرَّت عيناه وعلا أنينه، الخوف ينهش أعماقه بقسوة.. لم تفلح محاولاتى لتهدئته، ضممته إلى صدرى كعصفور صغير، والحروف تتلعثم على شفتيه، تئن... و ترتجف معها أطرافه
: سيموت؛ سنموت -- سـ ... سـ.....سـ ..........
-         الصلااااة جامعة... الصلااااة جامعة

نداء تطلقه كل مآذن القرية بلسان واحد، ترتفع الأصوات بالصلاة و الأدعية.
 ما أن بدأ الصغير فى الاستكانة، فإذا بضوضاء قوية تأتينى عبر النافذة، أطفال القرية يطوفون و يدقون الطبول و يغنون :
يا بنات الحور سيبوا القمر يدور
                          يا بنات الجنة سيبو القمر يتهنى
                                                يا غفور يا غفور رجع القمر يدور

يرفع الصغير بصره نحوي قائلاً: هل سيموت القمر ؟
 هل تخنقه الشياطين وذنوبنا حقا ؟

سأصلى ...وأعطى السائل على باب المدرسة نصيبا من مصروفى، سأطعم قِط الجيران، لن اُعذب العصافير ثانية، لن أكذب ثانية لأنى أحب القمر، سأسمع كلام أبى، و اُحب أختى .
-         يا حبيبي مجرد لحظات و يعود القمر لينير الدنيا

تطلع فيّ ببراءة سنواته الخمس- و حسبته لا يعرف له اُماً سواي- متسائلاً:
 هل سيعود القمر مرة أخرى؛ لأرى فيه وجه اُمى التى ماتت من زمن ؟!

***





زلزال
 قصة قصيرة






زلزال

  تدق
 



طبول الحزن فوق رأسى؛ فأستيقظ من أرقى الدائم، أرتدى ثوبى اللالونى الذى ارتاح له جسدى المرهق، حملت حقيبة عبأتها بصنوف العلل و الألام و الجراح والآمال، علىّ أقايض بها شخصاً آخر فى سوق الحياة والامنيات، أغلقت بيتىّ الذى لم أعد أملكه، وانطلقت أبحث عن حافلة تحملني للمكان الذى أقصده، وقفت بمحطة الحافلات مدة طويلة،
 والحافلة المنشودة لاتأتي . ولا الولد الذى حلمت به يقودها ليوصلنى بر الأمان .
 حملت قلقى ومضيت سيرا على قدمين أنهكهما الوقوف، الحقيقة موجعة مليئة بالأشواك، عبر طرقات تئن تحت وطاة الانتهاك، تنزف أقدامى... الاشباح الليلية تستوقفنى، دون أدنى ارتعاشة فى صوتى أقف متمتماً
: ماذا تريدون
 أخرج أحدهم من جيبه ورقة وتلاها على مسامعى فابتسمت ..
 فقال: تلك تهمة أخرى...خذوها  
جرني بعض أشباحه إلى جُب عميق، فتحت حقيبتى أفرغت ما تحويه من مقتنيات فضحك الشبح الموكل بالتفتيش وقال
: هى لا شىء و ما تحمله لا شىء فلا تهتم سيدى ...
رغم ذلك قام جميع الأشباح بتكبيلى وتصفيدى بالقيود المصنوعة من ترابى و حبال من نبت جيدى، كممونى فلم أستطع الصراخ...
لكننى استدعيت عبر أنين الروح أبنائى، حين بكى القلب خضب الأرض بالدماء؛ فإذا بالأرض الجدباء ترتوى فأنبتت أبناءً من كل صوب مرددين 
 :لبيكِ لبيكِ أمى
كانت صرخة قوية فأحالت أوجاعى أسلحة فتاكة، تزلزل الأشباح، هرب منهم من هرب، و وقع صريعا من وقع؛ ففك الصغار الرجال أسرى وارتفع صوت ضحكاتى وخلعت ثوبى اللالونى وارتديت ثوباً زاهى الألوان..
 بدأت الأشباح فى التلاشى و بدأ الظلام يندثر حين لاحت الحافلة التى كنت أنتظرها من زمن، تشق الطريق إلى الميدان .
                   
***





تمرد
قصة قصيرة





تمرد

تجتاحها
 



ألاف الظنون و الفكر، تتململ في جلستها، تتلفت حولها، لما تأكدت أنها وحدها قامت إلى المرآة، تنظر إلي وجهها الساكن فيها و تتساءل من تلك المرأة ؟!
تمد يدها إلى زجاج المرآة؛ تتحسس وجهها و شعرها، تتأمل الهالات السوداء حول عينيها،  دققت النظر في  لونها الأصفر؛ رفعت يدها عن المرآة تسألها من أنـتِ؟! تمتمت بحروف غير مسموعة ثم صمتت.. يناديها زوجها، لم تحس بدخوله، انتبهت..الاسم الذي ناداها، اسم الصورة التي تسكن المرآة...ولا تشبهها
-         ما بك يا حبيبتى
قالها الرجل من اختارته رفيقا لدربها فلبت نداها قائلة:
-         أنا بخير بعد قليل سيكون الغداء جاهزا .
 فى المطبخ وقفت تتحامل على نفسها، تتألم فى صمت، تزداد نوبات الألم، تجتاحها... تعتصرها يوما بعد يوم، لم تعد تقوي على الاحتمال..
- ماما جعانة يا ماما
قالتها تلك البنت العفريتة التى تحبها حد العشق؛ فتعتدل و تتماسك..
- حالا يا حبيبتى
 لحظات قليلة كان الطعام جاهزا و العصائر و الفاكهة... ترتب كتب الأولاد وتراجع معهم الدروس... تجمع الغسيل وتنظف الأوانى... فى المساء كانت تكوى قمصان الولد وترتب غرفته، تمتد يدها لتطفىء جهاز الكمبيوتر الذي كثيرا ما يتركه الولد و ينام, وفجأة تتوقف لتتأمل تلك النافذة السحريه على العالم..

تفتح صفحة، فأخرى تجد نفسها تغوص فى هذا العالم الافتراضيّ، تطورت علاقتها بهذا الكائن فأصبحت تقضى معه نصف وقتها تقريبا،  لم تعد تقضى الوقت بالفراش أصبح لها اليوم عالم آخر،عالم مليىء بالصور و الحروف ومشاعر الألفة و التواصل مع الآخرين؛ الزوج  يحس بانعزالها عن الحياة و عن الأسرة شيئاً فشيئاً؛ يلومها، يحاول منعها دون جدوى...

 الزوج يحطم غريمه الآلى في قسوة بالغة، وبطعم حرمانها تنظر صامتة، تراوغ شفتيها ابتسامة خفيفة, تعتدل فى جلستها تنظر مرة أخرى في المرآة... لكنها هذه المرة لم تر أى وجه .




وصال
قصة قصيرة





وصال

تتحدّر
 


دمعة على خدها الوردى، وتلمع أخريات في عينيها؛
أطلّ عليها بابتسامته الهادئة؛ ارتعاشة محببة تسري فى جسدها النحيل
تتسع ابتسامته، مد إليها يده بلفافة أنيقة، تفتح الهدية في شوق، من البحر صدفة بلا لؤلؤة كانت الهدية ، تذكرها العشق و أسرار العشاق ...
 تبحر فى أعماق عينيه...تتساءل:
-         أهذا بالفعل أنت ؟
اتسعت ابتسامته اكثر وهمس
- وهل أتركك فى ليلة طالما انتظرتها؟
 ليلة تحل فيها ضفائرك وتزدان حديقتك بأجمل الزهور
 نظراتها تتوسل، ترجوه لا تتركنى ثانية؛ تقدم منها خطوة ضمها بكلتا يديه، طبع على جبينها قبلة سكنت قلبها؛تغمض عينيها فتتحدر اللؤلؤة
لتستقر في رحم الصدفة الخاوي
تخلص منها فى رفق، وقبل أن يختفى عبر الجدار يبتسم ملوحاً بصدفة حبلى ...
 عندها تنبهت إلى شريطة سوداء تعلو طرف الإطار.

***

  

انتظار
قصة قصيرة



انتظار

  هنا
 


ما زلت أنتظر، ذاتها المحطة القديمة تعانق مدخل القرية، يمتد منى البصر إلى الأفق البعيد؛ فأراهُ ملوحاً لى عبر السحاب، يحمل بين كفيه حفنةً من أمنيات ...
 ناديته، لم يسمعنى، طال انتظارى كثيراً، أرجع البصر كرةً أخرى.. كان قد توارى بين السحاب... تستوقفني الأيام، وتحنو عليّ رويدا..
 : لا تيأَسى ابعثى إليه الرسائل..
فكتبت إليه أن يعود، فقد كرهت الآمال التى أخذته إلى بعيد وغربته عنى و...
إلى جوارى تجلس ساعاتي، ننتظر سوياً رد الرسائل... فى البعد كبرت وحدتي و تعملقت، هاجمت بِشراسة، أحس بالخوف؛ أرسل إليه رسالات أخر ، أشكو الوحدة و...

رأيته يلتقطها و يضحك، يتوارى خلف السحب، يمزقها ساخرا، وينثرها في الهواء؛ فتستكين على الأرض متألمةً لألمي؛ أُناديه؛ فتبكى السماء حزناً يسقي قصاصات الألم دمعاً؛ لتنبت أشجار شوك تستوطن الروح...؛
 أرضع طفلى لحظات الانتظار؛ فينام بجانبي، ورسائل حبى أُرسلها؛ ترتد قصاصات، تتطاير على أيامي تباعاً؛ فأعود و أكتب ثانيةً، وأكتب.

حطت يمَامَة على رأسِ أيَامٍ سود نامت طويلاً بقلبي؛ فاستيقظت، واستيقظ الطفل على صوت النفير، رأيته من بين أغصان الشوك يعود، تأملت وجهه المعتق بالغياب، كان بلا ملامح، عيناه بلا بريق؛ لم تتعرف عليه أيامي و أنكره الانتظار؛ أفسحت له الطريق ليمر وعدت  ثانيةً إلى المحطة لا أملّ الانتظار ..!
         
***









عجز
قصة قصيرة



عجز

كثير
 



ما كنت أحن للسير فى هذا الطريق، لأعمدة النور فيه، للسيارات  والقطارات، لكنى أعود إلى حيث أتيت،اليوم شدنى شيىء ما إلى هناك، سرت بالقرب من شريط القطار...
أطفال يتقافزون على القضبان، صوت القطَار يأتى من بعيد، يقترب... تنطلق الصافرة، يخطف كل طفل كتابه و يجرى، تَاركين خلفهم ذاك الصبى وعكازه وقدما واحدة، يقترب القطار أكثر، يمد الصغير يده إلىَّ، نظرت إلى مخالب القطار، ثم إلى عينى الصغير؛ توقف كل شىء إلا القطار؛ صرخت ...أغمضت عينى، لم أحس الوقت، رويداً تهبط يدى عن عينى، خرجت من حنجرتي أهة اختلطت فيها الدمعة بالحنين...  
فجأة تنشق عنك الأرض، يتوقف مرة أخرى كل شىء، إلا قرص الذاكرة راح يدور ببطء؛ فاراك من بين فروع الأشجارمقبلا من خلف السحب لحظات عشتها معك ثم سقطت من حسابات الزمن...
تستقر يدي فوق شفتي، تردد كلمات يرن فى أذني صداها من ماض غير بعيد، كنت تَقولها وأضحك... أجمع أشلائى، أنادي... تتبعثر فى الفضاء حروف اسمك وترتد إلىّ، أزدردها ثانية، ترعد السماء، تمطر علامات استفهام
                                                                 ؟
                                                                   ؟ ؟   
                                                                     ؟ ؟ ؟
                                                                         ؟ ؟ ؟ ؟ ؟.
أرتعد فتسقط يدي عن شفتي؛ فيستحيل برد ينايرإلى صهد يوليو،يناديني الْصغير ذُو القدم الْواحدة؛ أحاول الوصول إليه، تأبى قدماي أن تحملانى أصرخ وأصرخ 
                   والقطار يقترب،
                        والصغير ينادي،
                            وأنت هناك مازلت تردد كلمات باهتة،  
أغمض عينيَّ هذه الْمرة  فتسيل دموعي حمراء وما يزال الصغير ينادي.

***
        



السيدة
قصة قصيرة





منذ أيام 
 
السيدة

أخذ يلفت نظري هذا الباب المفتوح، الوقت مبكر لكن موعد
 العمل قد أزف، توجهت إلى عملى، و قد شغلني هذا الباب...
هل نسيه أصحابه مفتوحا ؟
 لم لا يغلق ليلا ؟
لعله مهجور، استقر تفكيرى على أن أمرَّ على هذا البيت فى العودة، أتقصى خبره، ما أن حان موعد الإنصراف حتى انطلقت سريعا، أثار فضولى أن الباب ما زال مفتوحا، تقدمت خطوة طرقت الباب، لا أحد يرد؛ كررت ذلك مرة تلو الأخرى لا أحد يرد؛ هممت بالدخول ،
 جاءنى صوت والدي يتلو "لا تدخلو بيوتا غير بيوتكم .."
لكن أين أهلها ؟
أغلب ظنى أنه لا يوجد أحد، سأدخل ، تراجعت ، واصلت سيرى إلى منزلى و الفضول يكاد يقتلنى..
 - أهناك ما يقلقك ؟ جاءنى صوت أمى حنوناً كعادته،
 صارحتها بما يعتمل فى نفسى ، و سألتها عن البيت، قالت:
-  إنه بيت عائلة كبيرة من نجوم المجتمع
 - لكنهم تركوا البيت و انتقلوا إلى الاحياء الراقيه، باستثناء الام .
 - إنها مريضة ربما كانت نائمة حين مررتي بها
 فاسترحت لهذا الاحتمال و جلست أشاهد التليفزيون ] نشرة الاخبار الدكتور .... على رأس مؤتمر طبى كبير فى لندن.[
 - إنه من أصحاب البيت، وهو طبيب زائع الصيت.
فى المساء تصادف وجود صحيفة لم أقرأها بعد، تصفحتها على عجل ، ]المهندس الشاب ... ورجل الأعمال المعروف يفتتح فرعاً جديداً لشركة المقاولات التى يمتلكها [
 - إنه أيضاً من أصحاب البيت ،
إنهم من علية القوم كما قالت أمى اذن،
 فى الصباح وأمام نفس البيت طالعتنى وجوه أهل الحى يتحلقون على بابه، يتهامسون، سالت: ما الخبر ؟
ماتت السيدة منذ أيام ، لم يعلم أحد بموتها إلا صدفة ...
مصمصت شفتيّ ثم خرجت من صمتى لأعاون الجيران فى انهاء إجراءات الدفن .
 - صباح اليوم التالى ، ذهبت إلى عملى ، طالعتنى جميع الصحف بمساحات واسعة لنعى السيدة مقترنة باسماء ابنائها و مراكزهم الرفيعة
 لا أدرى لماذا تذكرت وقتها الباب المفتوح .

***


















هاجس
قصة قصيرة





بصعوبة
 
هاجس

تَنْفُس روحها زفيرا متقطعا، بحركة عصبية سريعة تتلفت يمنة ويسرة، تبحث عن شهيــــق، تجاهد بشدة لتجد من الهواء القليل، تتنفسه تتلوى على الفراش، الشوك يخترق كل جزء فيها، تغرق فى بحر من عرق بارد، وألم قاتل يحطم كل خلية فى جسدها المنهك، تفتح عينيها جاهدة، تحدق فى سقف الغرفة فى استغراب، فتراه يفرد جناحين حالكين  ؛ يغطى بهما سقف الغرفة، ويرمقها بنهم من يريد التهام فريسته، تحاول الصراخ، فيضحك منها في قسوة
: اصرخى استغيثي فهل يخرج صوتك إلا إليك ؟
تحاول ان تتعلق عينها بطيف من محبيها ولا أحد، تسمع الأصوات و لا ترى أصحابها، تمد يد غريق يريد النجاة فلا تلمس طوقا، ينظر إليها و يضحك؛ تعتصرها نظرة التشفى فى عينيه؛ تنزف خلاياها ألما، ينظر إليها بعينين من لهب، و يضحك، فتختنق الأنفاس تكاد تنحشر فى رئتيها، تنتفض انتفاضات هستيرية كرقصة الطير الذبيح، تهم بالنهوض فتعجز؛ مقيدة بأربطة فى سرير أبيض، وذراعاها مشدودة بأنابيب إلى جهاز يئن، نظرت إلى السقف، فوجدته يتسلل إلى أنابيب الجهاز ويشدها، يحاول انتزاعها بعنف وهى تصرخ
: أيا طبيبي النجدة... النجدة
يوقظها زوجها من صراخها، فتشهق منتفضة، فيطمئنها و يضمها إليه بقوة، فتجد نفسها فى فراش غرفة نومها،تهم بالابتسام لكنها تتلوى فجأة من الألم، فيستدعي الزوج الطبيب على عجل، فقال فى همس متلاشيا ان تقع عيناها عليه وهو يتحدث
: يجب أن تنقل إلى المستشفى فورا لاجراء غسيل كلوى.

***

                  







وحش الغربة
قصة قصيرة





وحش الغربة

 تمتد
 



خيوط الشمس الذهبية عبر النافذة الصغيره،تداعب وجهها الشاحب،
ترقد فى الفراش بجوار رضيعها، تتهلل أعين النسوة اللاتى يتحلقن حولها، وتعلو تمتمات الحمد والشكر لله أن أعاد لها وعيها، حاولت الجلوس فلم تستطع، نظرت إلى النسوة فوجدت أشجار حزن و غيمات محملة بالبكاء.

تطلعت إلى الحقول البعيدة، فإذا الحزن يخيم على الزرع و الارض و السماء، جالت بنظراتها المكان، فإذا بصورة وحيدة معلقة على جدار جيري شاخ لونه، صورة زفافها....

كم كانت جميلة و صغيرة و فاتنة، كم كان حنونا مزينا برجولة ريفى عاشق، تنتفض فجأة، و كأنما لطمتها ذكرى احتضار الأيام الرائعة التى قضتها معه، حين قال لها سأسافر؛ استحلفته بكل ما هو غال لديه، إلا أنه تعلل باختناق الروح  من الاحتياج والعوز و ضيق فى الرزق.

حمل معه كل الأحلام و سافر إلى بلاد المجهول، بكى الصغير الذى يرقد بجوارها حملته إحدى النساء المتشحات بالسواد، فازداد بكاءً، فى  اللحظة ذاتها جاءها ترتيل القارئ :
"وما تدري نفس ماذا تكسب غدا..
وما تدري نفس بأى أرض تموت.. "
تلقفت صغيرها و احتضنته و انفجرت في البكاء.

***








رتابة
قصة قصيرة




رتابة

 خرج
 


من العمل كعادته، لم يكن ينوى العودة إلى منزله ، قرر أن يتمرد على الرتابة؛ يعلن الرفض ولو لمرة واحدة
 ترك العنان لقدميه تسيران به إلى اللا مكان
 و لعينه تنظر عبر كل شىء إلى اللا شىء
 أحس بنبض ألاف الوجوه الباهتة والأصوات المتداخلة في قلب سوق ،  لا يعي منها شىء، صراخ، وهمس، بكاء أطفال، وضحكات نسوة؛ جال جولة المتهيب المتوجس من كل شىء، وكأن الجميع يرقبونه؛ أحس بالخوف، اشترى بعض المستلزمات، وعاد إلى منزله، جلس على مقعده المعتاد، تناول الطعام، غصت عيناه بالجرائد اليومية، شاهد التلفاز، داعب زوجته وأطفاله، ثم أوى إلى فراشه و نام، فى ساعة متأخرة من الليل أيقظته طرقات عنيفة على الباب، فزع لها كل من بالبيت؛ صرخ و هو يتعثر فى بقايا نومه
: من بالباب؟
 الطرق مستمر بعنف ولا أحد يرد ، فوجىء بهم
 : ماذا تريدون ؟ من انتم ؟
 جردته عيونهم النارية من كل شيئ، أمطروه بوابل من أسئلة حادة، بشفتين مرتعشتين أجاب، بدا أنهم لم يصدقوه ،عبث بعضهم بمحتويات بيته، قلبوا المكتبة ،أنزل احدهم لوحة الطفل الباكى ، مسح بيده الجدار خلفها،  اعترض ، جذبه أحدهم و قذفه بعيدا فاصطدم بالحائط ، حين أفاق وجدهم يقتحمون حرمة ملابسهم جميعا، يبعثرون ملابس الأطفال وبراءتهم، و ...
 لانت ملامحهم بعض الشىء حين بدا كأن كبيرهم قد ابتسم، وأشار إليهم..
 بعد خروجهم لم يفكر كثيرا، ولم يبد أى استياء، بل راح يرتب ما أفسده هؤلاء ...،
 وقرر أن يعود فى الغد من العمل فى موعده ومن نفس الطريق.


***







محو أحلام
قصة قصيرة



محو أحلام

باكية
 


 كانت تجلس القرفصاء، تستند بظهرها إلى تلك الجميزة العتيقة على شاطئ الترعة، طالما جمعت أطفال القرية حولها، كم لعبت وأصحابى تحتها، نُعلق عليها ألواحنا الخشبية نكتب عليها بالجير الأبيض ألف... بـــــاء ، ونرسم الأحلام ..
تدفن وجهها بين ركبتيها، يعلو نشيجها ليمزق صمت الليل و سكونه ... اقتربت منها، سرت فى جسدى رعشة، اقتربت أكثر رفعت وجهها براحتىّ فرأيت فى عينيها بحار حزن و أمواج من ألم .
سقطت حزمة من الضوء المتسللِ عبر الفروع على وجهها، لأرى فيه كل الأيام البعيدة و الذكريات التى كنت أتمنى أن تدوم ...
يومها كانت تجلس أمام الفرن البلدى، تلقمه بالقش، وأعواد الذرة الجافة وتخرج الخبز الريفى الرائع، ترمقها الجارة بخبث و تثنى على طريقة خبزها و نظافتها وتميزها فى الأعمال المنزلية و أعمال الحقل رغم صغر سنها، ثم ضحكت و أبدت رغبتها فى خطبتها لابنها الأكبر؛ في براءة  تضحك وتقول
: لا أنا عاوزه أبقى دكتورة،لا أنا عاوزه أبقى أستاذة لالا عاوزه أبقى حاجه كبيرة .
تضحك الجارة و تضحك الاُم، فى شبه وعد بالاتفاق على وأد تلك الأماني
واحد، اثنان، عشرة ، ثلاثون .... كانت فاطمة تعد الخبز الذى تخرجه من الفرن، وتحسب كم نصيب كل فرد و كم سيمكث الخبز لديهم ، ثم ما أن انتهت من ذلك، قامت بتنظيف المنزل، وجرت إلى الجميزة، خلعت ملابسها تحتها، نزلت الترعة، غمرت جسدها الصغير بالماء . تحسست بيديها ثمارا نبتت بصدرها، أحست بالخجل؛ فخرجت من الماء، و ارتدت ملابسها بسرعة، ثم أخرجت لوحها المدفون تحت الجميزة؛ لتكتب و ترسم عليه حلمها والأمنيات، أطفال القرية يتقافزون حولها و يغنون أغانى العرس . كم بكت وتوسلت! كم حضنت كراستها تستغيث ولا مجيب،
بعد أيام تم زواجها،  لم تعد تأتى لتلعب معنا، بل كانت ترنو إلينا من خلف قضبان نافذتها الحديدية والدموع تملأ عينيها، كان زوجها يوبخها و يداوم على نهرها والسخرية منهم  حين تقدم على قراءة أوراق الجرائد قبل أن تقصها بأشكال هندسية، لتزين بها الأرفف الخشبية .
حملت فاطمة وأنجبت طفلها و حلمها الرائع وأصبح عالمها الأوحد لتراه يكبر .. يبتسم وهى تعلمه الكلمات الف ... باء ... تعطيه الكراسة و القلم بيديه الصغيرتين – يوبخها زوجها و يقهرها كعادته ينتزع وليدها من حضنها ويقذفها خارجا تترك البيت الى بيت اُمها فتعيدها اليه ثانية كما تفعل دائما .
هذه المرة و فى ليلتنا المقمرة تلك تهرب الى الجميزة ... تُخرج لوحها المدفون ... تعلقه فوقها ... تبكى ... فاللوح الآن بلا جير ولا حروف ولا خطوط .

***


 وفاء اللحن
قصة قصيرة




وفاء اللحن

  تقترب
 


من النافذة الصغيرة المطلة على الحقول، تحملق فى أعواد القمح تتمايل مع الريح،تنظر إلى سرب العصافير يحط على السنابل بخفة ثم يطير، يحاذر خيال المأتة، يتناهى إلى سمعها صوت الناى من بعيد، تتراقص أعواد القمح على انغامه، فتهيم طربا و شجنا، تدنو الألحان منها فتنتبه، تخرج مسرعة تعدل من هيئتها وتنظر فى المرآة،و تبتسم ...جميلة ورقيقة ابتسامتها ...
يدخل وبيده طفلهما بسنواته الأربعة يضحك و يغنى معه، تجرى إليهما تخطفه من بين يديه و تضحك، ترفعه لأعلى ويضحك، رائعة تلك اللحظات لكنها لم تدم طويلاً، سرعان ما  خيم الظلام على حياتها فصارت الحياة ليلاً طويلاً ،وهى تحس بزوجها يذوب و يتلاشى؛ فقد أعياه ما قاده إليه أصدقاء السوء، بلهفة و قتال تخطفه من بين براثنهم ..
  فى كل ليلة كانت تأخذ طفلها معها و تحاول النوم دونما جدوى، كانت ترهق نفسها بالعمل فى الحقل كل يوم و بتربية الصغير، حصدت القمح و حرثت الأرض كما كان يجب أن يفعل،نسوة القرية يسألنها عنه فتقول أنه بخير، أمها تسألها عن أساورها الذهبية فتقول احتفظ بها،
تغيب كل اسبوع نصف نهار، لكنها تعود بعدها على أفضل حال ، تدخل إلى الغرفة فترمق الناى على منضدة صغيرة، فتمسكه تتحسسه تلتمس منه دفء أصابعه، تضعه على فمها فتجد حلاوة قبلاته، وتشم عطر أنفاسه
تنادى على الصغير.. تعطيه الناى و تقول: اعزف أكمل لحن أبيك
الطفل لا يجيد العزف لكنه كل يوم يحاول، و هى تبتسم و تشجعه
تصحبه إلى الحقل كعادتها، فيمسك بالناى كما علمته ...
عزف الصغير لحنا رائعا كانت قد علمته إياه، فيتردد من بعيد صوت ناى آخر يكمل عزف نفس اللحن ؛فيستقيم عزف الصغير، ويدنو صوت الناى القادم من بعيد ، تسرع إلى البيت والمرآة، يتناهى إلى سمعها انتظام اللحن على وقع الخطى ، تبتسم جميلة ورقيقة ابتسامتها،
 ترقص شوقا وفرحا و تحمل إليه الصغير، فيخطفه من بين يديها، و يرفعه لاعلى و تعودالضحكات .          


***









صورة للغلاف
قصة قصيرة




  أنظر
 
صورة للغلاف

إلى الدفتر الملقى بجوارى على الوسادة، فوجدته يختلس النظر إلىّ..
حاولت الامساك به لأقلب صفحاته، فاستحى و أغمض عينيه، رجوته ...
فتح الصفحة الأولى؛ فخرجت لي على حافة  السطر الأول طفلة فى عمر البراءة تبتسم، تمسك بعروستها القماش، تحاول تجميلها و تضفير شعرها ب(فيونكة) حمراء و تضحك...
فى الصفحة الثانية خرجت تلك البنت الملائكية، ترتدى الزى المدرسى و تحمل حقيبتها السوداء، وفى ضفائرها نفس (الفيونكات) الحمراء و كانت تنظر لى و تبتسم....
اغلقت الدفتر وحاولت النوم و ابتسامة البنت الملائكية ترتسم على شفتى فأثار ذلك فضول ابنتى، لكننى ما أرضيت فضولها و تركتها تتساءل ؟؟؟
فى حين دار قرص الذاكرة فغفوت...
تلك الفتاة تتحسس جبهتى برفق، أخذتنى لمستها الندية ورائحتها الزهرية وقميصها الأرجوانى طبعت على خدى قبلة أذهلتنى؛ عانقتها بقوة فاختفت داخلى، فتحت ذراعى فلم أجدها،  أحسست بالخوف، فامسكت الدفتر ثانية عليّ أجدها؛ قلبت الصفحات بحركة عصبية فإذا بفتاة تمسك يدى و تومىء برأسها أن انتظر، رفعت رأسى فوجدت فتاة طاغية الأنوثة تمسك فى يدها قلم، أعطتنى إياه و ابتسمت ثم توارت بين الصفحات...
فى الصفحة المقابلة وجدت صوراً كثيرة لزفاف فتاة فرعونية تحضره آلهة العشق، ووصيفات من زجاج كل ما فيهن شفاف، وزهور من دخان ملون؛ أصابتنى الدهشة؛ فعروس الصفحة تشبه من سبقنها فى الصفحات الأولى، سألتها : ما اسمك يا ابنة النيل ؟
فقالت:  وعد
و قبلتنى و انطلقت إلى عرسها الملكي، و الوصيفات ينثرن عليها نجوم فضية و ذهبية...
جاءنى زوجى بكوب الماء وأقراص الدواء فازدردتها ونمت...
بعد أذان الفجر أيقظنى شىء ما، وإذا بالفتاة تعطينى مرآة صغيرة؛ لأنظر فيها، فهالني ذلك الوجه المتغضن بالتجاعيد، و الملىء ببقع الزمان و آهات الألم، ووجدتنى أحاول اغلاق الدفتر ، قاربت صفحاته على الانتهاء و ما زالت الطفلة تتساءل عن صورة الغلاف .


***





انكسار
ق ق ج




 مالت
 
انكسار

بغصنها على جبينه تلتمس الندى،
أهدته عبيرها و رحيق قلبها،
تخلصت من كل الأشواك؛ حتى لا يدميه لمسها،
 يقطف منها كل يوم ورقة، يلقيها... ؛
                       استحالت غصناً يابساً بلا أوراق؛
                                فألقاه على قارعة الطريق وابتسم.

***







كبرياء
قصة قصيرة





  تعلن 
 
كبرياء

دقات  الساعة الخامسة عصراً،أَسرعت بالخروج من عملى الإضافى الذى اتخذته وسيلة لاستكمال متطلبات الحياة،السماء تعلن عن غضبها و حزنها فترسل وابلا من برقٍ و رعدْ ، اُسرع لأصل إلى منزلى، إلا أن السماء ازدادت بكاءً؛
بينما أعبر الطريق مسرعة جاءنى صوت نفير السيارة متأخراً؛ لأجدنى في وحل الطريق،والمطر يغسلني ، يصك اُذنى صوت الفرامل،
ينزل من السيارةِ فى برود متعمد، يلومنى على المرور أمامه بسرعة،
تأملته؛ فرأيت أيامى الماضية تومض مع البرق ،
تلتقي عينانا حين مد يده ليساعدنى، اتسعت حدقتاه، ابتسمت صامتة و استعنت بكلتا يدى ونهضت .
تعرينى عيونه النارية حين تلقي عليّ ألف سؤالٍ و سؤالْ، و كأنه يستدعينى من أنفاق ذاكرته المظلمة، ليعلن عن ندمه، نادانى متهللا؛ تعمدت الصمت...
قال : أنتِ هى...
فأجبته بالنفى و انصرفت أنفض عنى آثار الاصطدام ،
و تركت عينيه تتابعنى، وأغيب مزهوة كما غاب قبلاً عن حياتى .


***




مؤامرة
قصة قصيرة




مؤامرة

 تلك     
 


الليلة دخل غرفته، بدت مرتبة نظيفة ،فراش وثير، الأقلام و الأوراق فوق المكتب، خطة عمل يومية، دفتر مذكرات سرية،مكتبته نظيفة، تتراص كتبه فى دقة، حتى عيون القطط تنظر إليه بفرح من خلف الزجاج،
منبه تشير عقاربه إلى الثانية عشرة، بجواره نظارته الطبية ناحية اليمين، و فى اليسار كوب من الماء و شريط من الاسبرين ,
حاول النوم، تقلب فى فراشه، صرخ :لاااا ,
تنهد، مد يده ليشرب جرعة ماء ، لم يشرب أمسك الكوب تساءل:
-         من أتى إلى هنا؟!
-         من فعل كل هذا؟!
-         و لماذا هنا بالذات؟! ولماذا اليوم بالذات؟!
-         إنها مؤامرة!
 حاول مواصلة نومه, لكن القلق تملكه؛ فقام أمسك الكوب، ألقاه بعيدا، انكسر و تناثر الماء على كتبه التى بعثرها على الارض،وقتها فقط تناول كتاب الموتى, وضعه تحت وسادته، ثم أغمض عينيه...ونااام
            

***

سطور الدهشة
ق ق ج



سطور الدهشة

منذ
 


زمن سحيق كانت تكتبها القصة،
ثم توقفت فجأة، و تركتها على قارعة السطور تستجدى الاكتمال ...
أسندت ظهرها على حائط الذكرى، لتتأمل سحابات  الحاضر، تنشد كل قواميس الكون بحثا عن أبجدية لكتابة الجزء المتبقى؛ فكانت
                                            سطور ...
                                                      الـ .......... د هـ ش ـة........

***





ندم
قصة قصيرة



طيلة الطريق 
 
ندم

أصدقاؤه يحاولون، ويحاولون انتزاع ابتسامة واحدة من شفتيه المذمومتين،
دونما جدوى..
يدلف للبيت فى بطء، يجول حجراته القاتمة الباردة، يحس بالجوع الشديد، يقصد المطبخ، يجد الأوانى فارغة؛ يفرّ هاربا...

هناكـ في المطعم القابع بنهاية  الشارع، يزدرد ما قدمه له النادل من أطعمة،
لم يحس لها طعماً، و غصة تمتزج بالدمع تعاكس ابتلاعه الطعام بإيلام شديد..
يعود إلى البيت ثانية، تلفحه موجة من العفن، ويلفه الصقيع ...
يفتح دولابه؛ ليستبدل ملابسه، فإذا بكيس لم يلتفت إليه من قبل ، يفتحه بحذر، ليجد بداخله أوراقاً مالية و بعض قطع الحليّ الذهبية ورسالة أخيرة من قلبها  المروي بالدمع...

 يالها من رائعة تلك التى تألمت فى صمت؛ لتقيه الفاقة وتؤمن له الكبرياء والزهو بين زملائه بالجامعة، كم كان ينكرها و ينكر فقرها، ويصب عليها جام غضبه، يهرول إلى حجرتها، تتلقفه المرآة، يحملق فيها جيداً، ويبصق..

يتناول كوبا، يلقيه نحو الواقف قبالته بالمرآة في حنق؛ تتناثر قسماته و ملامحه في كل مكان، يحتضن ملابسها، فى جوع وعطش وحسرة،  يلقى بنفسه على فراشها، وينفجر بالبكاء ..


***


حفل عشاء
قصة قصيرة  



حفل عشاء

نظرت
 


إلى عقارب الساعة؛ فأحست أنها تسابقها؛
 دخلت مسرعة إلى غرفتها ، تطلعت إلى المرآة مبتسمة،أزاحت عن شعرها المشابك، وأسدلته على كتفها مسترسلا، يحكى قصة شوق
 تزينت لتظهر جمال وجهها غجريا كم يحب ، ارتدت ثوبها الأزرق الذى يحب أن يراها به، وضعت لمساتها الأخيرة ونثرت عطرها المحبب له على جسدها تحت الثوب الشفيف...
 أعدت طاولة العشاء وزينتها بما يحب من طعام
تحاول ترتيب العبارات و تُعد الطريقة المثلى لتزُف إليه الخبر الذى ينتظرانه منذ سنوات،
 تمر اللحظات ثقيلة، انتصف ليل العاصمة ...
رَن تليفونها باللحن المخصص له؛ فتراقص قلبها،
الوو ...
خلفية المكالمة عبارة عن أعيرة نارية كثيفة ، وأصوات سيارات إسعاف بعيدة، وهتافات ضد الظلم و ضد القهر و الفساد ...
 الكلمات عبرالهاتف تخترق ضلوعها؛ لتصيب القلب بسهم الصدمة
 كفرت بكل انظمة الكون و حكومات القهر،  صبأت بكل عبارات العزاء
فى الصباح ارتدت قميص زوجها المعطر بالدم ،وعقدت شعرها بالعلم المخضب بشبابه؛ لتزرع مكان جثمانه بذور الثورة، لتثمر نصرا و ثأرا فى حين يكبر الحلم فى أحشاءها
وحين المخاض أتاها صوته ضاحكا
 أن هُزى إليكِ بجذع الصباح يتساقط عليكِ فجرا تقياً
 وانفضى عنك رماد العذاب و أنين البكاء،
وصالحي ثوبك الأزرق الهفهاف، و تزينى فإنى بانتظارك.


***



الحكايات الملونة
قصة قصيرة








كانت
 
الحكايات الملونة

تقتات  بما  تقدمه الجدة  أمينة  على مائدة الحكايات الملونة، تنام قريرة العين مبتسمة حينا ، باكية خائفة حينا آخر ، صادقت الشمس والعصافير فوق الأشجار العتيقة،  تحكى لها عما حلمت به فى الليل...، تُسِر لها بخوفها من الجنيّ الأعور الذى رَوَعها لما رفضت تقبيله، وعن الجنية الطيبة التى تأتيها فى الليل بالفاكهة والفساتين و اللعب و الحلوى وما تشتهى.
 فوق ندى الصُبح تجرى حافية القدمين مع أبناء و بنات عمها فى براح الحقل، تتشابك الأصابع الصغيرة دونما حرج، تتداخل الصيحات و الضحكات، ويعلو صداها، فتملأ السعادة أرجاء القرية ،
تناديهم الجدة لتناول الطعام ، يُخفى هو نصيبه من الحلوى ليعطيه لها خِلسة ، تبتسم وترفض على استحياء ، هكذا مرت الأيام الجميلة سريعا، لتودع تلك الحياة و تنتقل إلى العاصمة مع والدها وزوجته  وخلت المائدة من الحكايات الملونة و حل مكانها حكايات أخرى  من الجوع والعذاب والدموع، وخلا نومها من الاحلام، ليوقظها الصياح بأوامر شتى؛ لأعمال منزلية وغير منزلية، ظلت هكذا إلى أن حمل معه كل أحلام المستقبل و عبق الذكريات ...
وأرجوحة التيل التى كان يعلقها فى شجرتهم العتيقة، لتطوحها فى الفضاء البعيد، إلى حد النجوم، الشفاف حد الضوء ، ليهبها فى كل موسم أمارة وذكرى للعشق  القديم قدم التاريخ...
يشتت صمتها منديل أبيض على خدها، تمسح به الطفلة أمينة  دموعها قائلة
: لا تبكِ  فقد زارنى والدي ليلاً، ورأيته فى الجنة، وحين طلبت منه حدوتة قبل النوم، قال سيروى لك كل الحكايات الملونة
***


رحلة
ق. ق. ج




أشارت
 
رحلة

عقارب الساعة إلى اللاوقت، اصطدمت بألبوم الصور ...
حاولت الهروب؛ فإذا بالمرأة داخل المرآة تجذبها، و تجبرها على التوقف، جردتها من ملابسها...

تمد يدها إلى صدرها بنصل سكين براق، تشق ما بين النهدين، تخرج النبض المرتعد الساكن ضلوعها الموجوعة، و ذاتها الغاضبة المتمردة دوما، تحاول السير داخلها على أضواء خافته..

ما زالت لا تعرف من أين جاءت. تصاحبها أحلام و أمنيات عرجاء، قاومت كثيرا كى تنتصر لها، لكنها فى النهاية ما عادت تقوي على استكمال المسيرة المنهكة، فأناخت ركبتيها على شاطئ يموت، وجلست على أقرب كرسى تستجدى نسمات هواء، وراحت تلوك أيامها بين ندم، ورغبة، ودموع.
                                  ***









وداع
قصة قصيرة



وداع

أطفأت
 



الحاسوب ، و قامت تتوضأ فقد داهمها الوقت واخترق شعاع الفجر ليلها البهيم.. ارتدت ثوب الشوق الشفاف وافردت صفحة جبينها لينقش أديم الأرض عليها أبجدية وصل لا تعرف الصمت؛ تعطرت بذكر الحبيب؛ أحست بأنها أية فى كتاب الكون تحتاج الى تفسير ... تاقت روحها العطشى للري من نهر الرضوان، لتهيم بوجد في محراب القبول.
الله أكبر
 تهم بالدخول فى الصلاة تسمع صوت ارتطام شديد تبعته صرخة قوية وبكاء متواصل؛ دون وعى تنطلق إلى مهد الطفل لتجده يغط فى سبات عميق تسمرت قدماها، و لم تستوعب ما كان فقررت معاودة الوصال مرة  أخرى
موسيقى صاخبة تنبعث من التلفاز..! فجأة قبل أن تذهب تذكرت أن التلفاز معطل، و غير متصل بالكهرباء ....تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
 : الله اكبر 
انفتح الخط الموصول مرة أخرى ، استعذبت التناجى فإذا بالأرض تتلاشى من تحتها شيئاً فشيئا؛  فتهيم فى فضاء العشق سابحة بلا أجنحة تنهل من النهر حتى ترتوى، فإذا بالنور يغمرها .. يتخللها ... يتغلغل فى خلاياها فإذا بها تشهق بصوت مرتفع مرددة
 أشهد أن لا اله الا الله
 ملهوفا يسرع إليها الزوج،  ليجدها تحتضن سجادتها عاجزة عن  الحركة....
يهم ليطلب الطبيب، تمنعه بإشارة من يدها، يدنو منها، تهمس أنها تستريح من الآلام،  تخرج من ضيق الدنيا تتم الشهادتين و تغمض عينيها.......... راضية مرضية..
                                                         

                                                          ***


هناء جــوده

تعليقات